فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وفيها قولان.
أحدهما: مكية، قاله ابن مسعود، والحسن، والجمهور.
والثاني: مدنية، روي عن قتادة.
ذكر سبب نزولها:
اختلفوا على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن رهطًا من قريش منهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث لقوا العباس بن عبد المطلب، فقالوا: يا أبا الفضل: لو أن ابن أخيك أسلم بعض آلهتنا لصدقناه بما يقول ولآمنا بالاهه، فأتاه العباس فأخبره، فنزلت هذه السورة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن عتبة بن ربيعة، وأميّة بن خَلَف لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا محمد: لا ندعك حتى تتبع ديننا، ونتبع دينك، فإن كان أمرنا رشدًا كنتَ قد أخذتَ بحظِّك منه، وإن كان أمرك رشدًا كنا قد أخذنا بحظنا منه، فنزلت هذه السورة، قاله عبيد ابن عمير.
والثالث: أن قريشًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن سَرَّك أن نتبع دينك عامًا، وترجع إلى ديننا عامًا، فنزلت هذه السورة، قاله وهب.
قال مقاتل في آخرين: نزلت هذه السورة في أبي جهل وفي المستهزئين، ولم يبق من الذين نزلت فيهم أحد.
وأما قوله تعالى: {لا أَعْبُدُ} فهو في موضع (من) ولكنه جعل مقابلًا لقوله تعالى: {ما تعبدون} وهي الأصنام. وفي تكرار الكلام قولان.
أحدهما: لتأكيد الأمر، وحسم أطماعهم فيه، قاله الفراء.
وقد أنعمنا شرح هذا في سورة [الرحمن: 13].
والثاني: أن المعنى {لا أعبد ما تعبدون} في حالي هذه {ولا أنتم} في حالكم هذه {عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم} فيما أستقبل، وكذلك أنتم، فنفى عنه وعنهم ذلك في الحال والاستقبال، وهذا في قوم بأعيانهم، أعلمه الله عز وجل أنهم لا يؤمنون، كما ذكرنا عن مقاتل، فلا يكون حيئذ تكرارًا، هذا قول ثعلب، والزجاج.
وقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} فتح ياء {وليَ} نافع، وحفص، وأبان عن عاصم. وأثبت ياء {ديني} في الحالين يعقوب.
وهذا منسوخ عند المفسرين بآية السيف. اهـ.

.قال القرطبي:

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}
ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس: أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خَلَف؛ لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، هَلُمَّ فلنعبدْ ما تعبد، وتَعْبَدْ ما نَعْبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله؛ فإن كان الذي جئت به خيرًا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه.
وإن كان الذي بأيدينا خيرًا مما بيدك، كنت قد شرِكتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه؛ فأنزل الله عز وجل: {قُلْ يا أيها الكافرون}.
وقال أبو صالح عن ابن عباس: إنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لَوِ اسْتَلَمْت بعض هذه الآلهة لصدقناك؛ فنزل جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه السورة، فيئسوا منه، وآذَوه؛ وآذَوا أصحابه.
والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأيّ؛ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم.
ونحوه عن الماوردّي: نزلت جوابًا، وعَنَى بالكافرينَ قومًا مُعينين، لا جميع الكافرين؛ لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات أو قُتِل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون.
قال أبو بكر بن الأنباريّ: وقرأ من طعن في القرآن: قُلْ لِلَّذِين كَفَرُوا {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده الله من أن يُذِلّ نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزرِيّ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لبِ وحِجًا.
وذلك أن الذي يدّعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلًا ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم.
فمعنى قراءتنا: قل للذين كفروا: يا أيها الكافرون؛ دليل صحة هذا: أن العربيّ إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا، فمعناه قلْ لزيد يا زيد أقبل إلينا.
فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى؛ إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم، فيقول لهم: {يا أيها الكافرون}.
وهو يعلم أنهم يغضبون من أن يُنْسبوا إلى الكفر، ويدخلو في جملة أهله إلاَّ وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد، أو تقع به من جهتهم أذِية.
فمن لم يقرأ {قُلْ يا أيها الكافرون} كما أنزلها الله، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه الله إياها، وشرّفه بها.
وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم؛ كما تقول: والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله.
قال أكثر أهل المعاني: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء، أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد؛ قال الله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 45].
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المطففين: 10].
{كَلاَّ سَيعلمونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيعلمونَ} [النبأ: 4 5].
و{فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا إِنَّ مَعَ العسر يسرا} [الشرح: 5-6].
كل هذا على التأكيد.
وقد يقول القائل: إِرْمِ إِرْمِ، اعجَلْ اعجَلْ؛ ومنه قوله عليه السلام في الحديث الصحيح: «فلان آذن، ثم لا آذن، إنما فاطمة بضعة مني» خرّجه مسلم.
وقال الشاعر:
هلا سالتِ جموعَ كِندة ** يومَ ولَّوْا أَيْنَ أَيْنا

وقال آخر:
يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا ** يا لَبَكْرٍ أَينَ أَيْنَ الفِرارُ

وقال آخر:
يا علقمهْ يا علقمهْ يا علقمهْ ** خيرَ تميم كُلِّها وأَكْرمَهْ

وقال آخر:
يا أَقرعُ بنُ حابسٍ يا أَقْرَعُ ** إنكَ إنْ يُصْرَع أَخوكَ تُصْرَعُ

وقال آخر:
ألاَ يا اسلَمِي ثم اسلَمِي ثُمَّتَ اسْلَمِي ** ثَلاَث تَحِيَّاتٍ وإنْ لمْ تَكَلَّمَ

ومثله كثير.
وقيل: هذا على مطابقة قولهم: تَعبُد آلهتنا ونعبُد إلهَكَ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، فنجرِي على هذا أبدًا سَنَة وسنة.
فأجيبوا عن كل ما قالوه بضدّه؛ أي إن هذا لا يكون أبدًا.
قال ابن عباس: قالت قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم: نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجلٍ بمكة، ونزوّجك مَنْ شئت، ونطأ عقِبَك؛ أي نمشِي خلفَك، وتَكُفُّ عن شتم آلهتنا، فإن لم تفعل فنحن نَعْرِض عليك خَصْلة واحدة هي لنا ولك صلاح؛ تعبدُ آلهتنا (اللات والعُزّى) سنة، ونحن نعبد إلهك سنة؛ فنزلت السورة.
فكان التكرار في {لا أعبد ما تعبدون}؛ لأن القوم كرّروا عليه مقالهم مرة بعد مرة.
والله أعلم.
وقيل: إنما كرّر بمعنى التغليظ.
وقيل: أي {لا أعبد} الساعة {ما تعبدون ولا أنتم عابِدون} الساعة {ما أعبد}. ثم قال: {ولا أنا عابِد} في المستقبل {ما عبدتم} ولا أنتم في المستقبل {عابِدون ما أعبد}.
قاله الأخفش والمبرّد.
وقيل: إنهم كانوا يعبدون الأوثان، فإذا ملوا وثَنا، وسئِموا العبادة له، رفضوه، ثم أخذوا وثَنا غيره بشهوة نفوسهم، فإذا مروا بحجارة تعجبهم ألقوا هذه، ورفعوا تلك، فعظموها ونصبوها آلهة يعبدونها؛ فأمر عليه السلام أن يقول لهم: {لا أعبد ما تعبدون} اليوم من هذه الآلهة التي بين أيديكم.
ثم قال: {ولا أنتم عابِدون ما أعبد} وإنما تعبدون الوثن الذي اتخذتموه، وهو عندكم الآن.
{ولا أنا عابِد ما عبدتم} أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها، وأقبلتم على هذه.
{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} فإني أعبد إلهِي.
وقيل: إن قوله تعالى: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} في الاستقبال.
وقوله: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} على نفي العبادة منه لِما عبدوا في الماضي.
ثم قال: {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} على التكرير في اللفظ دون المعنى، من قِبل أن التقابل يوجب أن يكون: ولا أنتم عابدون ما عبدت، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد، إشعارًا بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر.
وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار الله عز وجل.
وقال: {ما أعبدُ}، ولم يقل: مَنْ أعبد؛ ليقابل به {ولا أنا عابِد ما عبدتم} وهي أصنام وأوثان، ولا يصلح فيها إلا {ما} دون (من) فحُمل الأوّل على الثاني، ليتقابل الكلام ولا يتنافى. وقد جاءت (ما) لمن يعقل. ومنه قولهم: سبحان ما سخركنّ لنا.
وقيل: إن معنى الآيات وتقديرها: قل يا أيها الكافرون لا أَعبد الأصنام التي تعبدونها، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده؛ لإشراككم به، واتخاذكم الأصنام، فإن زعمتم أنكم تعبدونه، فأنتم كاذبون؛ لأنكم تعبدونه مشركين.
فأنا لا أعبد ما عبدتم، أي مثل عبادتكم؛ ف (ما) مصدرية. وكذلك {ولا أنتم عابِدون ما أعبد} مصدرية أيضًا؛ معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي، التي هي توحيد.
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
فيه معنى التهديد؛ وهو كقوله تعالى: {لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص: 55] أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضينا بديننا.
وكان هذا قبل الأمر بالقتال، فنسخ بآية السيف.
وقيل: السورة كلها منسوخة.
وقيل: ما نسخ منها شيء لأنها خبر.
ومعنى {لكم دينكم} أي جزاء دينكم، ولي جزاء ديني. وسمى دينهم دينًا، لأنهم اعتقدوه وَتَولَّوه.
وقيل: المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي؛ لأن الدِّين الجزاء. وفتح الياء من {ولِيَ دِينِ} نافع، والبزي عن ابن كثير باختلاف عنه، وهشام عن ابن عامر، وحفص عن عاصم.
وأثبت الياء في {ديني} في الحالين نصر بن عاصم وسلام ويعقوب؛ قالوا: لأنها اسم مثل الكاف في دينكم؛ والتاء في قمت. الباقون بغير ياء، مثل قوله تعالى: {فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78].
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} [آل عمران: 50] ونحوه، اكتفاء بالكسرة، واتباعًا لخط المصحف؛ فإنه وقع فيه بغير ياء. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عزّ وجلّ: {قل يا أيها الكافرون} إلى آخر السّورة نزلت في رهط من قريش منهم الحارث بن قيس السّهمي، والعاص بن وائل السهمي، والوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن عبد المطلب بن أسد، وأمية بن خلف قالوا يا محمد هلم اتبع ديننا ونتبع دينك، ونشركك في ديننا كله تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة فإن كان الذي جئت به خيرًا كنا قد شركناك فيه، وأخذنا حظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرًا كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن أشرك به غيره» قالوا فاستلم بعض آلهتنا نصدقك، ونعبد إلهك قال: «حتى أنظر ما يأتي من ربي» فأنزل الله: {قل يا أيها الكافرون} إلى آخر السورة فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه أولئك الملأ من قريش، فقام على رؤوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السّورة فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه، وقيل إنهم لقوا العباس، فقالوا يا أبا الفضل لو أن ابن أخيك استلم بعض آلهتنا لصدقناه فيما يقول، ولآمنّا بإلهه، فأتاه العباس، فأخبره بقولهم، فنزلت هذه السّورة وقيل نزلت في أبي جهل والمستهزئين ومن لم يؤمن منهم.
ومعنى ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بتبليغ الرّسالة بجميع ما أوحي إليه فلما قال الله تعالى: {قل يا أيها الكافرون} أداه النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه من جبريل عليه السلام فكأنه صلى الله عليه وسلم قال أمرت بتبليغ جميع ما أنزل الله على، وكان فيما نزل عليه {قل يا أيها الكافرون} وقيل إن النّفوس تأبى سماع الكلام الغليظ الشّنيع من النّظير، ولا أشنع ولا أغلظ من المخاطبة بالكفر فكأنه صلى الله عليه وسلم قال ليس هذا من عندي إنما هو من عند الله عزّ وجلّ وقد أنزل الله على قل يا أيها الكافرون والمخاطبون بقوله يا أيّها الكافرون كفرة مخصوصون قد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون {لا أعبد ما تعبدون} في معنى الآية قولان:
أحدهما:أنه لا تكرار فيها، فيكون المعنى لا أعبد ما تعبدون لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم {ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلبه منكم من عبادة إلهي ثم قال: {ولا أنا عابد ما عبدتم} أي ولست في الحال بعابد معبودكم {ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي ولا أنتم في الحال بعابدين معبودي وقيل يحتمل أن يكون الأول للحال، والثاني للاستقبال، وقيل يصلح كل واحد منهما أن يكون للحال، والاستقبال، ولكن يختص أحدهما بالحال والثاني للاستقبال لأنه أخبر أولًا عن الحال ثم أخبر ثانيًا عن الاستقبال، فيكون المعنى لا أعبد ما تعبدون في الحال ولا أنتم عابدون ما أعبد في الاستقبال وما بمعنى من أي من أعبد ويحتمل أن تكون بمعنى الذي أي الذي أعبد.
القول.
الثاني: حصول التكرار في الآية، وعلى هذا القول يقال إن التكرار يفيد التّوكيد، وكلما كانت الحاجة إلى التّوكيد أشد كان التكرار أحسن، ولا موضع أحوج إلى التوكيد من هذا الموضع لأن الكفار راجعوا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى مرارًا فحسن التوكيد، والتكرار في هذا الموضع لأن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجاري خطابهم، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التّوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التّخفيف، والإيجاز، وقيل تكرار الكلام لتكرار الوقت، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن سرك أن ندخل في دينك عامًا فأدخل في ديننا عامًا، فنزلت هذا السّورة جوابًا لهم على قولهلم {لكم دينكم ولي ديني} أي لكم كفركم ولي إخلاصي وتوحيدي، والمقصود منه التّهديد فهو كقوله: اعملوا ما شئتم وهذه الآية منسوخة بآية القتال، والله أعلم. اهـ.